كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وخرجه من حديث حسان بن إبراهيم عن سعيد بن مسروق، وعن يزيد بن حيان عن زيد بن أرقم قال: دخلنا عليه فقلنا له: لقد رأيت خيرا، لقد صاحبت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصليت خلفه، وساق الحديث بنحو حديث أبى حيان، غير أنه قال: «ألا وإني تارك فيكم ثقلين أحدهما كتاب الله عز وجل، وهو حبل الله، من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على ضلالة» وفيه: فقلنا: من أهل بيته نساؤه؟ قال: لا وأيم الله، إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر، ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده. وخرجه الترمذي من حديث محمد بن فضل. حدثنا الأعمش عن عطية بن سعد، والأعمش عن حبيب بن أبى ثابت، عن زيد بن أرقم قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا على الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما. قال: هذا حديث حسن غريب.
وخرجه الحاكم من حديث جرير بن عبد الحميد، عن الحسن بن عبد الله النخعي، عن مسلم بن صبيح، عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وأهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض» قال: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وقد روى: إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي، كتاب الله حبلا ممدودا من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، قال أبو البقاء: أما كتاب الله وعترتي الأولين فبدلان من الثقلين.
وأما كتابا الثاني فهو بدل من كتاب الأول، وجوّد ذلك وحسّنه ما اتصل به من زيادة المعنى، وهو قوله: حبلا ممدودا، وكذلك عترتي أهل بيتي، ونصب حبلا ممدودا على أنه حال أو مفعول ثانى لتارك، ولو روى كتاب الله حبلا ممدودا جاز على أنه مستأنف.
وقد ثبت أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن الصدقة لا تحل لآل محمد» وخرج البخاري ومسلم من حديث الزهري عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها أن فاطمة والعباس رضي الله عنهما أتيا أبا بكر رضي الله عنه يلتمسان ميراثهما من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهما حينئذ يطلبان أرضيهما من فدك وسهمهما من خيبر، فقال لهما أبو بكر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا نورّث، ما تركناه صدقه، إنما يأكل آل محمد من هذا المال».
قال أبو بكر رضي الله عنه والله لا أدع أمرا رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصنعه فيه إلا صنعته، قال: فهجرته فاطمة رضي الله عنها فلم تكلمه حتى ماتت. اللفظ للبخاريّ، خرجه في الفرائض وخرجه في المغازي في حديث بنى النضر.
وقال في آخره: إنما يأكل آل محمد من هذا المال، والله لقرابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحب إليّ أن أصل من قرابتي، وذكره في كتاب الفيء، أطول من هذا وأشبع من حديث عقيل وصالح بن كيسان ومعمر، وهي كلها مما اتفقا عليه، وقوله: إنما يأكل آل محمد من هذا المال، يعنى مال الله، ليس لهم أن يزيدوا على المأكل، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم لهم خواصّ: منها حرمان الصدقة، ومنها أنهم لا يرثونه، ومنها استحقاقهم خمس الخمس، ومنها اختصاصهم بالصلاة عليه.
وقد ثبت أن تحريم الصدقة، واستحقاق خمس الخمس، وعدم توريثهم، يختص ببعض أقاربه صلّى الله عليه وسلّم، فكذلك الصلاة على آله خاصة ببعضهم غير عامة لهم.
وخرج مسلم من حديث مالك عن الزهري، أن عبد الله بن عبد الله بن نوفل ابن الحارث بن عبد المطلب، حدثه أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث حدثه قال: اجتمع ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب فقالا: والله لو بعثنا هذين الغلامين- قال لي وللفضل بن عباس- إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكلماه فأمّرهما على هذه الصدقات فأديا ما يؤدى الناس وأصابا ما تصيبه الناس.
قال: فبينما هما في ذلك جاء على بن أبى طالب رضي الله عنه فوقف عليهما، فذكرا له ذلك، فقال عليّ: لا تفعلا فو الله ما هو بفاعل، فانتحاه ربيعة بن الحارث فقال: والله ما تصنع هذا إلا نفاسة منك علينا، فو الله لقد نلت صهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فما نفسناه عليك، قال عليّ: أرسلوهما، فانطلقا واضطجع عليّ، قال: فلما صلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الظهر سبقناه إلى الحجرة، فقمنا عندها حتى جاء فأخذ بآذاننا ثم قال: أخرجا ما تصررانه، ثم دخل ودخلنا عليه وهو يومئذ عند زينب بنت جحش قال: فتواكلنا الكلام ثم تكلم أحدنا فقال: يا رسول الله، أنت أبّر الناس وأوصل الناس، وقد بلغنا النكاح فجئنا لتؤمّرنا على بعض هذه الصدقات، فنؤدى إليك كما يؤدى الناس ونصيب كما يصيبون.
قال: فسكت طويلا حتى أردنا أن نكلمه، قال: وجعلت زينب رضى الله عنها تلمع علينا من وراء الحجاب أن لا تكلماه.
قال: ثم قال: «إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس، أدعوا لي محمية- وكان على الخمس- ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب، قال: فجاءاه فقال لمحمية: أنكح هذا الغلام ابنتك للفضل بن العباس، فأنكحه، وقال لنوفل بن الحارث: أنكح هذا الغلام ابنتك لي، فأنكحنى، وقال لمحمية: أصدق عنهما من الخمس كذا وكذا». قال الزهري: ولم يسمه لي، وخرجه أيضا من حديث يونس بن يزيد عن ابن شهاب، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي، أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، أخبره أن أباه ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وعباس بن عبد المطلب قالا لعبد المطلب بن ربيعة وللفضل بن عباس: ائتيا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وساق الحديث بنحو حديث مالك وقال فيه: فألقى عليّ رضي الله عنه رداءه ثم اضطجع وقال: أنا أبو حسن القرم، والله لا أريم مكاني حتى يرجع إليكما ابناكما بحور ما بعثتما به إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقال في الحديث: ثم قال لنا: إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد.
وقال أيضا ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ادعوا إليّ محمية بن جزء» وهو رجل من بنى أسد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استعمله على الأخماس. قال كاتبه: هكذا وقع، وهو رجل من بنى أسد، وإنما هو من بنى زبيلة. وخرج مسلم وأبو داود من حديث حيوة، أخبرنى أبو صخر عن يزيد بن قسيط عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمر بكبش أقرن يطأ في سواد، ويبرك في سواد، وينظر في سواد، فأتى به ليضحّى به فقال: يا عائشة هلمي المدية، ثم قال: اشحذيها بحجر- وقال أبو داود: أشحثيها بحجر- ففعلت، ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه، ثم ذبحه ثم قال: باسم الله، اللَّهمّ تقبل من محمد، وآل محمد، ومن أمة محمد، ثم ضحى به. فانظر كيف غاير بين آله وأمته، فإن حقيقة العطف المغايرة، وأمته صلّى الله عليه وسلّم أعمّ من آله، وتفسير الآل بكلام النبي صلّى الله عليه وسلّم أولى من تفسيره بكلام غيره، وهذا القول من أن آل الرسول صلّى الله عليه وسلّم هم الذين تحرم عليهم الصدقة، هو أصح الأقوال الأربعة.
وأرجح ما في هذا القول من الأقوال الثلاثة مذهب الشافعيّ رحمة الله، لما خرج البخاري من حديث الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب، عن جبير بن مطعم قال: مشيت أنا وعثمان بن عفان رضي الله عنه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلنا: يا رسول الله! أعطيت بنى المطلب وتركتنا، ونحن وهم منك بمنزلة واحدة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد». وقال الليث: حدثني يونس، وزاد قال جبير: ولم يقسم النبي صلّى الله عليه وسلّم لبني عبد شمس ولا لبني نوفل شيئا. قال ابن إسحاق: وعبد شمس وهاشم والمطلب إخوة لأم- وهي عاتكة بنت مرة- وكان نوفل أخوهم لأبيهم، ذكره البخاري في كتاب فرض الخمس، وفي مناقب قريش في غزوة خيبر.
فصح أنه لا يجوز أن يفرق بين حكم هاشم وبنى المطلب في شيء أصلا، لأنهم شيء واحد بنصّ كلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فصح أنهم آل محمد، وإذ هم آل محمد فالصدقة عليهم حرام، وخرج بنو عبد شمس وبنو نوفل ابني عبد مناف وسائر قريش عن هذين البطنين وباللَّه التوفيق.
واعترض الحنفيون بأن قوله صلّى الله عليه وسلّم: إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد، إنما أراد أنهم لم يفترقوا في الجاهلية لأنهم دخلوا مع بنى هاشم الشعب، إذ كان بنو عبد شمس حينئذ حزبا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأهل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هم بنو هاشم فقط الذين هم بنو العباس، وبنو طالب، وبنو الحارث، وبنو أبى طالب، وبنو أبى لهب. فإنه لا خلاف أن عقب هاشم انحصر في عبد المطلب فصار بنوه آل محمد بيقين.
واعترض الشيعة العلوية على الحنفية وغيرهم بأنه ليس أهل البيت إلا من ذكرهم الله تعالى بقوله: {إِنَّما يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} 33: 33، وقد فسرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين سئل: من أهل بيتك؟ فقال: على وفاطمة، والحسن والحسين. خرج الترمذي من طريق يحى بن عبيد، عن عطاء بن أبى رباح، عن عمر بن أبى سلمة ربيب النبي صلّى الله عليه وسلّم، وزينب بنت النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: نزلت هذه الآية على النبي صلّى الله عليه وسلّم: {إِنَّما يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} 33: 33 في بيت أم سلمة رضي الله عنها فدعا النبي صلّى الله عليه وسلّم فاطمة وحسنا وحسينا رضي الله عنهم فجلّلهم بكساء، وعلى رضي الله عنه خلف ظهره فجلله بكساء ثم قال: «اللَّهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، قالت أم سلمة: وأنا معهم يا رسول الله؟ قال: أنت على مكانك وأنت إلى خير».
قال: وهذا حديث غريب من هذا الوجه. ذكره في مناقب آل بيت النبي صلّى الله عليه وسلّم. وذكره أيضا بهذا الإسناد في كتاب التفسير وقال: هذا حديث غريب من حديث عطاء عن عمر بن أبى سلمة. وخرج مسلم من حديث زكريا بن أبى زائدة، عن مصعب بن أبى شيبة، عن صفية بنت شيبة قالت: قالت عائشة رضي الله عنها: خرج النبي صلّى الله عليه وسلّم غداة وعليه مرط مرحّل من شعر أسود، فجاء الحسن بن على فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء عليّ فأدخله ثم قال: {إِنَّما يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} 33: 33.
وخرج أبو بكر بن أبى شيبة من حديث محمد بن مصعب قال: حدثنا الأوزاعي عن شداد أبى عمار قال: دخلت على واثلة بن الأسقع وعنده قوم فذكروا عليا رضي الله عنه فشتموه، فشتمته معهم، فقال: ألا أخبرك بما رأيت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قلت: بلى، قال: أتيت على فاطمة أسألها عن عليّ رضي الله عنه عنهما فقالت: توجه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فجلست فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعه على وحسن وحسين، أخذ كل واحد منهما بيده حتى دخل، فدخل علينا وفاطمة، فأجلسهما بين يديه، وأجلس حسنا وحسينا كل واحد منهما على فخذه، ثم لف عليهم ثوبا أو قال: كساء، ثم تلا هذه الآية: {إِنَّما يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} 33: 33 ثم قال: هؤلاء أهل بيتي، وأهل بيتي أحق. وأخرجه الحاكم من حديث بشر بن بكر، حدثنا الأوزاعي، حدثني أبو عمار، حدثني واثلة بن الأسقع قال: أتيت عليا فلم أجده، فقالت لي فاطمة: انطلق إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعوه، فجاء مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدخلا ودخلت معهما، فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الحسن والحسين فأقعد كل واحد منهما على فخذيه، وأدنى فاطمة من حجره وزوجها، ثم لفّ عليهم ثوبا وقال: {إِنَّما يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} 33: 33، ثم قال: هؤلاء أهل بيتي، اللَّهمّ أهل بيتي.
قال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم قال البخاري في تاريخه: محمد ابن مصعب القرقساني أبو عبد الله لم يسمع الأوزاعي، وكان يحى بن معين يسيء الرأى فيه.
وأخرج الحاكم من طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن شريك ابن أبى نمر، عن عطاء بن يسار، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: في بيتي نزلت {إِنَّما يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} 33: 33، قالت: فأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى عليّ وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم فقال: هؤلاء أهل بيتي. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري.
وخرج أيضا من طريق الحسن بن عرفه قال: حدثني على بن ثابت الجزري، حدثنا بكير بن مسمار- مولى عامر بن سعد- قال: سمعت عامر بن سعد يقول: قال سعد: نزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الوحي، فأدخل عليا وفاطمة وابنيهما تحت ثوبه ثم قال: «اللَّهمّ هؤلاء أهلي وأهل بيتي».
وخرج من طريق أبى بكر بن أبى شيبة الحزامي قال: حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبى فديك، حدثني عبد الرحمن بن أبى بكر المليكي عن إسماعيل ابن عبد الله بن جعفر بن أبى طالب، عن أبيه قال: لما نظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الرحمة هابطة قال: «ادعوا لي ادعوا لي» فقالت صفية: من يا رسول الله؟ قال: «أهل بيتي: عليا وفاطمة والحسن والحسين» فجيء بهم فألقى عليهم النبي صلّى الله عليه وسلّم كساءه، ثم رفع يديه ثم قال: اللَّهمّ هؤلاء آلى فصلّ على محمد وعلى آل محمد، وأنزل الله عزّ وجل: {إِنَّما يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} 33: 33 قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقد صحت الرواية على شرط الشيخين أنه علمهم الصلاة على أهل بيته كما علمهم الصلاة على آله وذكر من طريق البخاري حديث كعب بن عجرة ثم قال: وإنما خرجته ليعلم المستفيد أن أهل البيت والآل جميعا هم. وخرج الحاكم من طريق موسى بن هارون، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد عن أبيه قال: لما نزلت هذه الآية: {نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ} 3: 61، دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليا وفاطمة، وحسنا وحسينا فقال: «اللَّهمّ هؤلاء أهلي» قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. وخرجه ثانيا ثم قال: اتفق الشيخان على صحة هذا الإسناد واحتجّا به ولم يخرجاه وإنما خرجا بهذا الإسناد قصة أبي تراب.
وخرج من طريق عفان بن مسلم، حدثنا حماد بن سلمة قال: أخبرنى حميد وعلى بن زيد، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يمرّ بباب فاطمة رضي الله عنها ستة أشهر إذا خرج لصلاة الفجر يقول: الصلاة يا أهل البيت، {إِنَّما يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} 33: 33. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. ولم يخرجاه.
واعترض على الشيعة بأن قيل: لا نسلم أن أهل البيت في الآية من ذكرتم، بل هم نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم بدليل سياقها، وانتظام ما استدللتم به معه، فإن الله تعالى قال: {يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ من النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي في قَلْبِهِ مَرَضٌ} 33: 32، ثم استطردها إلى أن قال: {وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ الله وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} 33: 33 {وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى في بُيُوتِكُنَّ من آياتِ الله وَالْحِكْمَةِ} 33: 34 الآية، فخطاب نساء النبي مكتنفا لذكر أهل البيت قبله وبعده منتظما له، فاقتضى أنهن المراد به، وحينئذ لا يكون لكم في الآية متعلق أصلا، ويسقط الاستدلال بها بالكلية، وما أكدتم به قولكم من السنة فأخبار آحاد لا تقولون بها مع أن دلالتها ضعيفة.
فأجاب الشيعة بأن قالوا: الدليل على أن أهل البيت في الآية من ذكرنا، النص والإجماع. أما النص فما ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه بقي بعد نزول الآية ستة أشهر يمر وقت صلاة الفجر على بيت فاطمة عليها السلام فينادي: الصلاة يا أهل البيت: {إِنَّما يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} 33: 33: رواه الترمذي وغيره وهو تفسير منه صلّى الله عليه وسلّم لأهل البيت بفاطمة ومن في بيتها، وهو نصّ، وأنصّ منه حديث أم سلمة أنه صلّى الله عليه وسلّم أرسل خلف فاطمة وعليّ وولديهما، فجاءوا فأدخلهم تحت الكساء، ثم جعل يقول: «اللَّهمّ إليك لا أبالى النار أنا وأهل بيتي، اللَّهمّ هؤلاء أهل بيتي وخاصتي» وفي رواية: «حامتي، اللَّهمّ أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا» قالت أم سلمة: فقلت: يا رسول الله، ألست من أهل بيتك؟ قال: أنت إلى خير، أنت منهم. وأما الإجماع: فلأن الأمة اتفقت على أن لفظ أهل البيت إذا أطلق إنما ينصرف إلى من ذكرناه دون النساء، ولو لم يكن إلا شهرته فيهم كفى، وإذا ثبت بما ذكرناه من النص والإجماع أن أهل البيت عليّ وزوجته وولداه، فما استدللتم به من سياق الآية ونظمه على خلافه لا يعارضه، لأنه مجمل يحتمل الأمرين، وقصارها أنه ظاهر فيما ادعيتم لا يعارضه النص والإجماع، ثم إن الكلام العربيّ يدخله الاستطراد والاعتراض، والتخلل الجملة الأجنبية بين الكلام المنتظم المتناسب كقوله تعالى: {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ} 27: 34- 35، فقوله: {وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ} 27: 34 جملة معترضة من جهة الله تعالى بين كلام بلقيس، وقوله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} 56: 75- 77، أي لا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقرآن، وما بينهما اعتراض، وهو كثير في القرآن وغيره من الكلام العربيّ، فلم لا يجوز أن يكون قوله تعالى: {إِنَّما يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} 33: 33 جملة معترضة متخللة لخطاب نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم على هذا النهج، وحينئذ يضعف اعتراضكم.